بقلم المهندس/ طارق بدراوى
مدينة الإسماعيلية هي إحدى مدن القناة الثلاثة بخلاف السويس الأقدم وبورسعيد الأحدث وهي عاصمة محافظة الإسماعيلية وأكبر مدنها وقد بنيت علي الضفة الغربية لبحيرة التمساح التي تعد جزء من الممر الملاحي لقناة السويس وتقع تقريبا في منتصف المسافة بين كل من السويس جنوبا وبورسعيد شمالا وكل من الإسماعيلية وبورسعيد تم بناؤهما مع حفر قناة السويس وكانت البداية مع إنشاء مدينة بورسعيد التي بدأ بناؤها عام 1859م مع ضربة أول معول من مسيو فرديناند ديليسبس ومرافقيه إشارة لبدء عملية حفر القناة في نفس الموقع الذى أنشئت فيه المدينة وكان ذلك في عهد محمد سعيد باشا ولذلك سميت بإسمه ثم كانت الخطوة الثانية إنشاء مدينة الإسماعيلية في عهد سلفه الخديوى إسماعيل مع إستكمال حفر قناة السويس والتي كان قد وصل الحفر بها عند وفاة محمد سعيد باشا إلى الموقع الذى أقيمت فيه مدينة الإسماعيلية وتم إستكمال الحفر من بعده حتي السويس في عهد الخديوى إسماعيل بداية من عام 1863م ولذلك سميت المدينة بإسمه
وقد تم تخطيط المدينة علي النظام الفرنسي من حيث الشوارع الواسعة ذات الجزر الوسطي العريضة التي توجد بها مسطحات خضراء كبيرة وأشجار مورقة والبيوت أغلبها من دور إلى 3 أدوار علي الأكثر وسقفها النهائي عادة مايكون مائلا حتي لاتتجمع فوقه مياه الأمطار ومغطي بالقراميد وبخصوص شرائح السكان بمدينة الإسماعيلية عند إنشائها فقد شملت 3 شرائح الشريحة الأولي هي قبائل العربان الذين كانوا يسكنون في المنطقة قبل حفر القناة والذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية إلى سيناء وانتشروا في المنطقة منذ مئات السنين والشريحة الثانية هم العمال الذين شاركوا في أعمال حفر القناة وترجع أصولهم إلى الوجهين البحرى والقبلي وبعد الإنتهاء من الحفر فضلوا البقاء في المنطقة ومزاولة حرف وأعمال تتطلبها حاجات الحياة والمعيشة اليومية لأهل المدينة والشريحة الثالثة كانت تضم العاملين في شركة قناة السويس من مهندسين وإداريين وموظفين ومرشدين وعمال وفنيين وكان في البداية أغلبهم من الأجانب من جنسيات عدة فكان منهم الفرنسيون ومنهم اليونانيون ومنهم الإنجليز
وفي عهد الخديوى إسماعيل تم حفر ترعة مياه عذبة لتغذية المدينة بحاجاتها من المياه اللازمة للحياة بها بالتزامن مع حفر قناة السويس وهي ترعة الإسماعيلية والتي تتفرع من نهر النيل شمالي القاهرة عند شبرا وتمر بمحافظتي القليوبية والشرقية ثم تصل إلى الإسماعيلية تم تتجه جنوبا إلى السويس وهي من أطول وأهم الترع في مصر إلى جوار ترعتي المحمودية التي حفرت في عهد محمد علي باشا والتى تغذى محافظتي البحيرة والإسكندرية بالمياه العذبة وترعة الإبراهيمية التي حفرت في عهد الخديوى إسماعيل أيضا والتي تغذى محافظات أسيوط والمنيا وبني سويف بالمياه أيضا وترتبط الإسماعيلية بالقاهرة بطريقين أحدهما زراعي وهو طريق ترعة الإسماعيلية حيث أنه يسير علي التوازي معها وبمحاذاتها والآخر طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى والذى يمتد بعد ذلك إلي بورسعيد والذى يؤدى ايضا إلى كوبرى السلام المعلق فوق قناة السويس والذى يؤدى بدوره إلى القنطرة شرق ومنها إلى العريش عاصمة محافظة شمال سيناء كما يوجد خط سكة جديد يمتد من القاهرة إلى الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية ومنها إلى الإسماعيلية
ومن أهم معالم مدينة الاسماعيلية مبني هيئة قناة السويس ومنشآت جامعة القناة ومقر قيادة الجيش الثاني الميداني والنادى الإسماعيلي الذى يعشقه أبناء المحافظة ومسجد أبو بكر الصديق وكذلك توجد بها مزارات هامة مثل متحف الآثار الذى شيده المهندسون العاملون في شركة قناة السويس عام 1911م ويضم قطع أثرية لكل العصور بداية من العصر الفرعوني وحتي عصر محمد علي باشا ويوجد أيضا متحف ديليسبس وهو الفيلا التي كان يقيم بها مسيو فرديناند ديليسبس صاحب إمتياز حفر قناة السويس ويضم المتحف متعلقاته وأدواته والرسومات الهندسية والخرائط الخاصة بمشروع القناة وكذلك يضم المتحف نموذج من الدعوة الأصلية التي تم توجيهها للملوك والأمراء الذين تم دعوتهم لحضور الحفل الاسطورى الذى أقامه الخديوى إسماعيل بمناسبة إفتتاح القناة للملاحة عام 1869م كما توجد به العربة التي كانت تجرها الخيول والتي كان يمر بها ديليسبس علي مواقع العمل وغرفة المعيشة بتلك الفيلا حوائطها ملصوقا عليها ورق حائط كان قد احضره ديليسبس خصيصا من فرنسا ويوجد بها ترمومتر مائي لقياس درجة حرارة الجو لايزال يعمل بكفاءة حتي الآن ومن المتاحف الشهيرة أيضا في مدينة الإسماعيلية متحف دبابات ابو عطوة والمتواجد بقرية صغيرة تابعة للمدينة علي بعد حوالي 3 كيلومتر منها تمت إقامته تخليدا لذكرى تصدى القوات المسلحة المصرية وشعب الإسماعيلية البطل لقوات ودبابات الجنرال ايريل شارون الإسرائيلي أثناء محاولته الفاشلة لاحتلال المدينة خلال حرب أكتوبر عام 1973م
وتشتهر مدينة الإسماعيلية أيضا بهوائها النقي لقلة النشاط الصناعي بها وبالتالي فمعدلات التلوث بها منخفضة للغاية وتنتشر بها الحدائق والمتنزهات الطبيعية ومن أشهرها حدائق جناين الملاحة كما توجد بالمدينة مجموعة من الفنادق أهمها فندق ميركور كما توجد إلى الجنوب منها مجموعة من القرى السياحية والمنتجعات تطل على شواطئ البحيرات المرة منها قرية بونيتا كبريت وقرية هلنان المرجان وقرية بالما أبو سلطان وقرية الشموسة ولذلك فهي تجذب إليها الزوار من المحافظات المجاورة ومن القاهرة خاصة في فصل الربيع وفي الأعياد والمناسبات والعطلات ومن أشهر من أنجبتهم مدينة الإسماعيلية المهندس عثمان أحمد عثمان مؤسس أكبر شركة مقاولات في مصر وهي شركة المقاولون العرب والدكتور عبد المنعم عمارة محافظ الإسماعيلية الأسبق ورئيس المجلس القومى للشباب والرياضة الأسبق والفريق محمد فؤاد أبو ذكرى قائد القوات البحرية الأسبق
ومن أهم الأحداث التي مرت بها مدينة الإسماعيلية كان حصار مبني المحافظة يوم الجمعة 25 يناير عام 1952م بواسطة الدبابات الإنجليزية ومطالبة الجنرال أكسهام قائد القوة الإنجليزية أفراد وضباط الشرطة المتواجدين بالمحافظة بتسليم أسلحتهم والخروج منها مستسلمين الأمر الذى تم رفضه وقامت معركة غير متكافئة بين الطرفين ابلي فيها جنود وضباط الشرطة المصريين بلاءا حسنا واستشهد وجرح منهم عدد كبير وتم الإتفاق في النهاية علي خروجهم دون استسلام وأدى لهم قائد القوات الإنجليزية التحية العسكرية وصار هذا اليوم عيدا للشرطة تحتفل به مصر في كل عام وكذلك تعرضت الإسماعيلية لتهحير معظم سكانها إلي محافظات مصر الداخلية عقب العدوان الإسرائيلي علي سيناء واحتلالها في يوم 5 يونيو عام 1967م وأيضا من الأحداث الهامة التي شهدتها المدينة محاولة الجنرال ايريل شارون احتلالها أثناء حرب أكتوبر عام 1973م والتي أشرنا إليها بالسطور السابقة
وشهدت الإسماعيلية أيضا بعد ذلك حفل إعادة إفتتاح قناة السويس يوم 5 يونيو عام 1975م في عهد الرئيس الراحل أنور السادات والذى كان كثيرا مايزورها من حين إلي آخر ويمكث بها بضعة أيام بإستراحة رئاسة الجمهورية بجزيرة الفرسان والتي شاهدت بعض جولات من المفاوضات بين مصر وإسرائيل والتي إنتهت بتوقيع إتفاقية كامب ديفيد في شهر سبتمبر عام 1978م ثم معاهدة السلام بين الدولتين في شهر مارس عام 1979م وذلك بعد نصر أكتوبر عام 1973م وإعادة تعميرها وعودة سكانها إليها وأخيرا شاهدت الإسماعيلية حفل إفتتاح قناة السويس الجديدة يوم 6 أغسطس عام 2015م في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي